أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة سايكولوجي توداي، أن الأشخاص الذين يمارسون البساطة الطوعية، أي يستهلكون أقل ويعتمدون أكثر على مهاراتهم الذاتية، يحققون مستويات أعلى من السعادة والإحساس بالهدف في الحياة. ركزت الدراسة على عينة من المستهلكين النيوزيلنديين، ووجدت أن من اختاروا حياة أبسط شعروا بسعادة أكبر وإحساس أقوى بالهدف. هنا جاءت كلمة "بسيط" لتوضح المعنى المقصود، بعيدًا عن "سهل" أو "مريح".
تشير النتائج إلى أن العافية قد تنمو في غياب الراحة التامة، عبر اتخاذ قرار واعٍ لإفساح المجال لما يهم فعلاً. لكن المشكلة تكمن في ثقافة اليوم التي تروّج للسهولة كقيمة عليا، مع شحن سريع وشراء بنقرة واحدة وغيرها من الاختصارات الرقمية التي تسهل الحياة اليومية، لكنها تقلل الشعور بالرضا.
تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
تستهدف وسائل التواصل الاجتماعي الإخبارية والإلهامية، لكنها غالبًا تفعل العكس. يشعر المستخدمون بالإرهاق بسبب السرعة الهائلة للأحداث، وما يزيد الأمر سوءًا هو المحتوى المصطنع الذي يعرض حياة مثالية غير واقعية. أظهرت دراسة عام 2023 للباحثة ليا ريس أن هذه الصور المحسّنة والمحررة بعناية تسبب "ضغط التكنولوجيا"، مما يؤدي إلى مشاعر سلبية وأعراض اكتئاب عند مقارنة النفس بها.
تكمن المشكلة أيضًا في غياب السياق والرصانة، فخوارزميات المنصات تركز على التفاعل أكثر من الفهم. مع الوقت، يجعل هذا التعرض المستمر العالم يبدو معقدًا واستقطابيًا، ويترك مساحة قليلة للتفكير. لحل المشكلة، ليس من الضروري الإقلاع الكامل عن وسائل التواصل، بل يمكن تنقية المحتوى بعناية: اختيار مصادر موثوقة تلهمك وتثري حياتك، وتحديد أوقات محددة للتفاعل، وحذف أو إلغاء متابعة ما لا يتوافق مع قيمك دون شعور بالذنب.
اصنع بنفسك.. لا تشتري فقط
أظهرت الأبحاث أن الاستهلاك المفرط مرتبط بالاكتئاب والقيم المادية. عندما نحقق كل رغبة فورًا، لا نكتسب فرحًا، بل تراكمًا ماديًا وذهنيًا. كل اشتراك جديد أو طرد يضيف عبءًا آخر، ومع الوقت يزيد التعقيد بدل التسهيل. الحل عملي وبسيط: اشترِ أقل، وافعل أكثر. يمكن تبني الحد الأدنى في الفكر والفعل دون التخلي عن جميع وسائل الراحة. على سبيل المثال، بدل شراء الخبز، جرب صنعه، وبدل الضغط على "أضف إلى السلة"، أصلح ما يتعطل بنفسك.
تشعر الأفعال اليدوية بالتمكين، وتخلق مساحة للإبداع والاتصال بالآخرين، وتتيح وقتًا للتأمل دون الانغماس في الاستهلاك المستمر. بهذا، يصبح القرار بالعمل بدل الشراء ليس حرمانًا، بل تحررًا ذاتيًا، والخروج من فخ الراحة المفرطة للعيش في حياة أكثر عمقًا ومعنى.
الطريق إلى السعادة الحقيقية
التحول إلى حياة أبسط يتطلب وعيًا يوميًا: اختيار ما يستحق الانتباه، وترك الباقي، واستبدال الاستهلاك بالخلق والتجربة المباشرة. هذه التغييرات الصغيرة تصنع فرقًا كبيرًا، وتعيدنا إلى حياة مليئة بالصلة والنمو والمعنى، بعيدًا عن الضغط المستمر للراحة الزائفة.

